بصائر : الذكر وأصداء الموت * د. مأمون جرار

يختلف الناس في موقفهم من الموت ، فمن كان مؤمنا عارفا بحقيقة الدنيا توقعه في كل لحظة ولم يكن لوقوعه في أحد من أهله أو أحبابه وقع الصدمة ، بل يكون منه الصبر والتجلد ، ويلجأ إلى ذكر الله تعالى الذي يخفف المصاب ، ويبرد نار الفجيعة .

وهذا ما علمنا إياه القرآن الكريم في بيان موقف المؤمنين من المصائب بقوله تعالى : ( الذين إذا أصبتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ھ أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) ،

وكذلك علمنا النبي عليه وآله الصلاة والسلام أن نواجه المصائب بالصبر والدعاء والاحتساب ، ومن ذلك ما روى مسلم عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا

منها"قالت أم سلمة : فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله تعالى لي خيرا منه: رسول الله صلى الله عليه وسلم )

إن من المصائب ما ينال من نفس الإنسان أو ماله أو أهله ، ، وهو في كل ذلك يعلم أنه مبتلى مختبر ليرى ربه سبحانه ما يكون منه من صبر أو جزع ، قال الله تعالى : ( ولنبلونّكم بشيء من الجوع والخوف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون )

فالمؤمن إن أصابته مصيبة تذكر أنه وما يملك وما عنده من النعم من الله : خلقا وملكا وتدبيرا فالله قد خلقه ، وما لديه من المال هو من فضل الله تعالى وكرمه ، وهنا يتجلى لنا ذلك الذكر الجليل"إنا لله وإنا إليه راجعون"الذي بينت الآية أنه ملجأ المؤمن عند المصائب ليدرك الحقيقة وتهون عليه المصيبة . والذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم المسلم إلى التحصن به في مواجهة المصائب ، وبعد تلقي الصدمة والصبر عليها يأتي النظر إلى ما بعده وهو طلب أن تكون عاقبتها خيرا ، وأن يكون ما بعدها عوضا عنها :"اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها"ونجد في رواية الحديث تجربة شخصية عملية لراويته وهو أم سلمة التي قالت ما طلب النبي صلى الله عليه من المسلم أن يقوله في مواجهة المصائب ، فلما مات زوجها أبو سلمة رضي الله عنه ، دعت بتلك الدعوة فأخلفها الله تعالى زوجا خيرا من زوجها وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ونالت شرف أن تكون واحدة من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن .

ومن الأذكار التي علمنا إياها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في مواجهة مصيبة الموت ما رواه الترمذي وغيره عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : نعم ، فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم فيقول : فماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع ، فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد ، "

هذا الحديث يكشف عن صدى المصيبة التي تصيب الإنسان وموقفه منها ، لدى ربه سبحانه وتعالى ، والله تعالى لا يخفى عليه شيء في ألأرض ولا في السماء ، ولكنه أوكل لعباده من الملائكة متابعة شؤون بني آدم ، وكتابة أحوالهم ورفع الأعمال إليه سبحانه ، وهذا الحوار الجميل الذي يدور بين الله تعالى وملائكته فيه تجليات اسمه الله الرحيم الذي يعلم آثار الموت في نفوس الناس ويعدّ للصابرين أجرا عظيما ، هو هنا بيت في الجنة تبنيه الملائكة للصابرين من المؤمنين .

إن الإنسان حين يدرك عاقبة أي أمر يقف طويلا عنده فعلا أو تركا لأنه إن كان عاقلا أقدم على ما فيه خيره وترك ما يكون وبالا عليه ، وفي الحديثين اللذين وقفنا عليهما خير كثير ترينا أن للمصائب وجها آخر غيرالحزن والألم.

» ماذا يقول لك ملك الموت وانت نائم؟؟